من أجمل ما قرأت
لذا أحببت نقلها لكم
أتمنى لكم كامل المتعة
انعكاس
روايـة بقلم: د.أحمد خالد توفيق
أنتم تعرفون – وأقولها بكل شجاعة – إنني وعادل زوجي محدودا الدخل, لكن المرأة الذكية لا تكف لحظة عن البحث عن متنفس لتجميل شقتها .., وقد وفقت إلى العثور على قطع أثاث في منتهى الأناقة بقروش محدودة... عندئذ كانت بعض لمسات التجديد كفيلة بتحويلها إلى تحفة حقيقية
وفي ذات يوم كنت أتسوق حين وجدت رجلاً يبيع بعض الأشياء التي تحمل طراز العظمة الغابرة.., مقاعد صالون مذهبة تكومت كيفما اتفق فوق عربة يد.. ومرآة مزخرفة الإطار ملقاة بإهمال ما بين المقاعد, لكن المدهش بالنسبة لي هو أن زجاجها كان سليماً وصقيلاً وبحال ممتازة
ولما سألت الرجل عن ثمنها وأنا أتحسس جنيهاتي الخمس التي أطبقت عليها كفاً ملوثة بالعرق, كان رده أنه يريد 5 جنيهات
كان الإغراء قوياً.. وأنا لست حمقاء .. هذه المرآة تفوق هذا السعر بمراحل, ولم تستغرق الصفقة طويلاً.. أربع جنيهات ونصف ثمن المرآة وربع جنيه كي يحملها صبي يعمل معه إلى داري.. وعدت للدار حاملةً كنزي الصغير متسائلة في قلق عن رد فعل عادل إذ يرى ما جلبته.., إن الرجال لا يفهمون هذه الأشياء أبداً.. وسيكون من الصعب أن يفهم كيف اشتريت مرآة بالمبلغ الذي كنا سنأكل به طيلة الشهر.. أرجو ألا ينسى القاري أن أحداث القصة في الستينات .. كنا لم ننجب بعد.., لهذا لم أخش شيئاً حين وضعت المرآة في صالة البيت وشرعت أتأملها
كانت فاخرة بلا شك, وإطارها المذهب المليء بالزخارف يعكس عظمة غابرة لو تناسينا أكوام الغبار المحشورة بين هذه الزخارف.. وتساقط القشرة الذهبية في عدة مواضع, أما المرآة ذاتها فكانت سليمة تماماً بلا خدوش ولا عيوب في الطلاء
لابد أن هذه المرآة كانت تزين بهواً في قصر أمير أو أحد بكوات ما قبل الثورة, لكنني لم أفهم قط كيف وصلت ليد هذا البائع.. ولماذا باعها بهذا الثمن البخس..؟
أحضرت خرقةً وزجاجة كحول وبعض الماء والصابون وصنعت مزيجاً لا بأس به لتنظيف الإطار المتسخ.., وبدأت أعبث هنا وهناك بأطراف أناملي.. خطوة بخطوة بدأ الماء يستحيل للون الأسود لكن حال المرآة لم يتبدل كثيراً
وهنا اصطدمت أناملي بشيء ما
*******
كان ثمة شيء محشور بدقة في أحد التجاويف على جدار المرآة الخارجي, وحاولت إخراجه لكني فشلت.., تناولت مفكاً وشرعت أعالج هذا الشيء حتى تمكنت من انتزاعه وبدأت أتفحصه
كان ذلك الشيء ورقة صغيرة برمها أحدهم بشدة حول نفسها حتى غدت أقرب إلى المسمار, وهكذا استطاع أن يدسها في الثقب
ببطء وحذر فتحت الوريقة لكنها كانت مهترئة تماماً وتمزقت بين أناملي قبل أن أتمكن من فتح جزء صغير منها.., من ثم كورتها ورميت بها أرضاً وعدت أواصل عملي
كنت أرى انعكاس وجهي في المرآة بزاوية عيني, وأعتقد أنه كان واقعاً في مجال يسميه الأطباء بـ البقعة العمياء التي ترى فيها الشيء لكنك لا تميزه ..فقط أشعر ببقعة وردية هي وجهي حولها هالة سوداء هي شعري
ولكن..
لا أدري.. للحظة خيل لي أن انعكاس وجهي في المرآة يلتفت للناحية الأخرى !!.. أنا لست مخبولة.. هذا هو ما شعرت به ... رفعت وجهي نحو المرآة سريعاً فلم أرى سوى وجهي المرتعب يرمقني في حيرة
أخرجت لساني فأخرج وجهي لسانه, قطبت فقطب وجهي, لوحت بيدي اليمنى فلوح الانعكاس بيده اليسرى
لا مشكلة هنالك
هي مجرد مرآة بريئة أخرى
لكن ما سر هذا الإحساس العصبي الذي ينتابني؟
*******
حين جاء عادل بعد انتهاء عمله كان واضحاً جداً ومباشراً في رأيه الذي أبداه فيما يتعلق بهذه المرآة.., وبالطبع قال إنني مدللة وعابثة ولا أتحمل المسؤولية وأنه.. بالتأكيد.. كان يتمنى لو كان متزوجاً من واحدة أخرى لا تبدد ميزانية البيت في شراء المرايا
قلت: لكنها مرآة جميلة
قال: وكذلك حمامات السباحة.. كلها جميلة.. لكننا لا نملك حمام سباحة في الصالون
وبعصبية فك ربطة عنقه ودلف إلى الحمام تاركاً إياي واقفة في الصالة لا أدري ما أفعل ولا ما أقول, وهنا استدرت.. عفواً.. تجاه المرآة فلمحت شيئاً عجيباً
كأن صورتي في المرآة كانت ترمق ظهري بحدة طيلة الوقت, وحين التفت لها نجحت.. بالكاد.. في استعادة مظهرها البريء..!, وعادت كما كانت مجرد انعكاس لي
اقتربت منها وشرعت أتأملها
بالطبع كان معنى هذا أنها تتأملني هي الأخرى
كانت – ككل صور المرايا – تشبهني تماماً لكني ولا أدري إن كنت واهمة أم لا تبينت نوعاً من القسوة في شفتيها الرفيعتين.. بل إن ابتسامة ساخرة تلاعبت على ثغرها!.., أسمعكم تضحكون.. تقولون إنني رأيت انعكاساً لهواجسي وحالتي النفسية وأن من كان يضحك بقسوة هو أنا وليس الانعكاس.. لكنني أقسم لكم أنني لم أكن أهذي.. أنا واثقة أن هذه الصورة كانت تختلف تماماً عني اختلافاً طفيفاً
في هذه اللحظة دوى صوت باب الحمام ينفتح.. وبرزعادل ممسكاً بمنشفة واتجه نحو غرفة النوم.. وسألني دون اكتراث: ماذا حدث ياهانم؟... هل جننتِ؟
كلا.. لن أصارحه بمخاوفي.. أولاً: لأن الارتباط بين الجنون وكثرة النظر في المرايا قويٌ في أذهاننا, ثانياً: لأنه سيعتبر أية ملاحظة أقولها على المرآة اعترافا مني بأنني خدعت وأضعت ماله هباء.., وثالثاً: لأن الأمر كله أسخف من أن يُحكى
لكنني لن أنسى في كل لحظة أمر فيها أمام المرآة أن أفاجئها بنظرة صاعقة علني أفاجيء الأخرى وهي غير مستعدة لتقليدي
لكن ظني خاب في كل مرة
*******
أخيراً انتصف الليل
نام عادل كلوح الخشب في حين كان النوم يجافيني
كان الطقس حاراً ورطباً... وقطرات العرق اللزج تحتشد على جبيني وفوق شفتي العليا, وكان الظمأ يحرقني
نهضت لاهثة إلى الصالة لأرشف جرعة ماء من الثلاجة الصغيرة.. وفي الضوء الخافت المنبعث من جوف الثلاجة اختلست نظرة إلى المرآة التي كنت قد نسيت كل شيء عنها
إن هذا غريب ..
هذا المشهد لا يمت بصلة لصالة داري
اقتربت في حذر من المرآة.. وكما توقعت لم أرى أي انعكاس لي فيها.. لقد رحلت الأخرى
أما ما رأيت فكان صورة كلاسيكية غريبة وضبابية.. كأنها امرأة.. نعم هي كذلك.. امرأة جميلة جداً تتزين وهي تنظر لي من الجانب الآخر للمرآة.., واكنت ترتدي ثياباً غريبة واسعة الأكمام مليئة بالدانتيللا.. واكن الخلفية مزدانة.. هي الأخرى.. بستائر يبدو أنها ثمينة
لم تكن الصورة واضحة لأن إضاءتها كانت تعتمد على ضوء الثلاجة الخافت, ولابد أنني لبثت بعض الوقت ثابتة كالطود شاخصة البصر إلى هذه الصورة التي لا أدري عنها أي شيء
ثم.. بدأت أرى انعكاس صورتي من جديد
ترى ما معنى هذا.. وما هو أصلاً؟
عدت إلى الفراش مشوشة الذهن حتى أنني نسيت أن أشرب .., وفي الظلام حاولت أن استرجاع المشهد مراراً
حتى غلبني النعاس
*******
صارت الأيام التالية جحيماً
فلم تكن عيناي تبرحان المرآة قط.. وطيلة الوقت يعاودني ذلك الشعور المزعج أن هذه المرأة البادية ليست انعكاساً لي, بل هي مخلوقةٌ أخرى تعيش هناك وتمثل أنها انعكاسي
كانت نظراتها الثابتة الساخرة تثير هلعي
لكنني لم أجرؤ قط على أن أصارح عادل بهواجسي لأن لارجال يعتبرون النساء هستيريات حتى يثبت العكس
بل أنني جرؤت ذات مرة أن ألمح له أن: تلك الصورة التي في المرآة تفزعني
ابتسم في سخرية بركن فمه.. وقال: إن هذا ليس جديداً
ترى ماذا كان يعني بهذا التعليق؟
بعد ستة أيام تكرر ما حدث في تلك الليلة, وكان ذلك في الصباح بعد أن انصرف عادل.. مررت أمام المرآة شاردة الذهن فشعرت ذلك الشعور الغريب بأن هناك من يراقبني, نظرت للمرآة نظرة صاعقة فوجدت شيئاً يختلف
في المرآة كان هناك رجل.. رجل يرتدي بذلة وردية ويضع على رأسه طربوشاً ويشذب شاربه الرفيع الجميل بمشط صغير.. كان ينظر لي في ثبات.. ثم بدأ يعدل وضع الطربوش منتقياً الوضع الأمثل.., ثم أخرج سيجارة رفيعة من علبة تبغ معدنية أشعلها وشرع يبتسم بخبث راضياً عن نفسه
بدأت الصورة تذوب.. بينما هلعي يتشكل ويصحو
وحين عاد انعكاسي القديم إلى السطح الزجاجي مددت يداً متشككة باردة كالثلج إلى المرآة.. وفي توجس أدرتها حول محورها الطولي
إن هذه المرآة مسحورة
أقسم على ذلك
*******
كأنها نافذة تطل على كون آخر لا أعرف عنه شيئاً.. ثقب في حائط يفصلنا عن عالم مجهول.. إن هذه الرؤى ليست انعكاساً لحالتي النفسية, وليست وهماً.. لا يمكن أن يكون هناك وهم بهذه الدقة.. الدانتيللا في ثياب المرأة وستائر غرفتها وثياب الرجل المتحذلقة.. لم أسمع عن وهم تملؤه الدانتيللا من قبل
والآن أمامي 3 خيارات
اما أن أصارح عادل لعل عقلين هما أفضل من عقل واحد.. كما يقولون.. مع استعدادي التام لقبول الاتهام بالجنون
أو أن أتخلص من هذه المرآة بالبيع أو التحطيم أو التسريب لكنني لست.. حتماً.. ممن يفقدون خمس جنيهات بهذه السهولة
وإما أن أتجاهل الأمر برمته متظاهرة أن المرايا المسحورة ليست من الأشياء المرعبة
إن الخيار الأخير يناسبني لأسباب لا تخفى على أحد
وكذا مرت أيام عدة والمرآة في موضعها
إلى أن جاء ذلك اليوم
*******
قرع أحدهم جرس الباب فذهبت لأفتحه.. وكانت هويدا شقيقتي ومعها هاني خطيبها.. وقد أشاعا جواً محبباً من المرح في الدار.. وكان هناك الكثير من الثرثرة والضحك.. وخاصةً حين انفجرت زجاجة المياه الغازية في وجه هاني وأنا أفتحها
ثم إن هذين الوديعين العزيزين فارقاني بعد أن أبديا إعجابهما الشديد بالمرآة, ذلك الإعجاب الذي اعتدته من كل ضيوفي وكنت أتقبله برضا تام.. وأرجوهم أن يرددوه على مسمع من زوجي
كان هاني شاباً وسيماً لا يكف عن الابتسام.. وكان يتقبل كلماتي القاسية ومداعباتي اللاذعة في رقة ملائكية حتى أنني كنت أقول لـهويدا إنها مخطوبة لجثة
وكانت هي تضحك أولاً رغماً عنها ثم تقرر أن تغضب.. وتدمع عيناها وتوصي مراراً أن لا أقول عنه ذلك
ما علينا.. المهم أنهما انصرفا.. فنهضت أعيد للشقة رواءها وأنظف مطفأة السجائر وأعيد زجاجتي المياه الغازية للمطبخ و
مرة أخرى تتكلم المرآة
هذه المرة كان المشهد مألوفاً
نفس مظهر الصالة الذي تعكسه دائماً.., لكن كان هناك شيء غير عادي, فبدلاً من أن أرى نفسي حيث وقفت أمامها.. وجدت انعكاس هاني وهويدا واضحين تماماً.. وكانا يضحكان.. وفي يدي كانت زجاجة المياه الغازية تبصق رغوتها
ذات المشهد الذي حدث منذ 10 دقائق
لقد فهمت ما يحدث هنا ..
هذه المرآة تختزن الصور التي تحدث في مجالها لبعض الوقت ثم تعيد إخراجها في لحظات عشوائية غير متوقعة
كأنها كاميرا تصوير تدون الصور على فيلم ثم تعيد عرض ذلك الفيلم في أوقات بعينها
وهذه الأحداث قد تعود إلى الثلاثينات.. كما تدلني ثياب المرأة و الرجل.. أو تعود إلى عشر دقائق مضت كما حدث الآن
ولكن ما سر هذه المرأة الخبيثة التي تتظاهر أنها انعكلس صورتي؟
لن أعرف أبداً ..
لكني – على كل حال – أملك أعجب شيءٍ رأيته في حياتي, ولكم من مشاهد عرفت ولكم من أسرار عرفت هذه المرآة!.. كم من جيل مر أمامها وتجمل أمامها ثم ولى بعيداً
إن هذه المرآة خطيرة... لكنها فاتنة .. فاتنة إلى حد لا يصدق
*******
إن المرآة تراقبني
لهذا أخذت واجب الحذر ولم أبد أمامها إلا في أحسن صورة.. فمن أدراني أن جيلاً قادماً لن يجلس أمام زجاجها يطالع أسراري في شغف؟
يجب أن أكون صريحة.. لقد كان الفضول أقوى مني.. كنت أجلس الساعات أمامها منتظرة سراً جديداً من أسرار ملاكها السابقين وكلي نهم ... كأنها دائرة تلفزيونية مغلقة تتجسس على هؤلاء الناس, إن هذا ليس أخلاقياً تماماً لكن التجسس على قوم عاشوا قبلي بعشرات الأعوام ولا أدري من هم؛ هذا التجسس لم يبد مشيناً إلى هذا الحد
رأيت مئات الصور لتلك الغرفة ذات الستائر التي عرفت أنها وردية.. شاهدت عشرات المرات تلك المرأة تثبت قرطاً أو تطلي شفتيها.. لمحت أكثر من مرةٍ ذلك الرجل.. والواضح أنه كان زوجها.. يمشط شعيرات شاربه
دعك طبعاً من المرات العديدة التي رأيت فيها نفسي أفعل شيئاً أو آخر.. أو أرمق المرآة في توجس
والمرات العديدة التي رأيت فيها عادل يروح هنا وهناك مرتدياً منامته الشهيرة ذات الخطوط الزرقاء الطولية
لقد كان كل هذا ممتعاً وأثار شغفي, لم يكن جهاز التلفزيون منتشراً وقتها و بالتأكيد لم يكن لدينا واحد, ولقد جعلتني هذه المرآة أفهم ما هو التلفزيون قبل أن أراه
إلا أن عادل بدأ يرتاب في أمري
وسألني أكثر من مرة عما إذا كنت أحاول تعلم التنويم المغناطيسي الذاتي, ثم صارحني أنه يخشى على حالتي العقلية كثيراً من حملقتي المستمرة بهذا السطح الصقيل
إلا أنني كنت مبهورة تماماً حتى كدت أجتاز عالم المرآة كما يحدث في القصص الخيالية داخلةً إلى ذلك العالم المعكوس خلفها, حيث اليمين يسار والعكس.. وحيث يتقدم المرء للأمام متى سار إلى الخلف..! لم أفعل ذلك بل كدت
وفي ذات مساء كنت جالسةً وحدي أمامها حين رأيت مشهداً عجيباً
رأيت هويدا و هاني ورأيت نفسي
وكانت الوجوه ممتقعة كالحة والحركات عصبية, أنا واثقة تماماً أن هذا المشهد لم يحدث أمام المرآة قط... فضلاً عن أنني لا أملك ثوباً أزرق ياقته بيضاء, وهويدا لا تملك معطفاً أسود
كان هاني يتحدث بشراسة غير عادية ويلوح بقبضته.. بينما هويدا تدفن رأسها بين كفيها وتبكي ثم ترفع رأسها محاولةً إقناعه بشيءٍ ما.. أما أنا فكنت ألعب دور المصلح ما بين الطرفين..ثم
بمنتهى القسوة رفع هاني كفه وصفعها, فهببت.. كما هو متوقع.. صارخةً محاولةً إيقافه مرددة أشياء لا بد أنها من قبيل هل وصلت الأمور إلى هذا الحد؟.. أتضرب أختي أمامي أيها السافل الوقح؟!!.. نعم.. لابد أنني كنت أقول ذلك.. إلا أنه دفعني بعيداً عنه.. وصاح مردداً شيئاً ما ثم انصرف تاركاً المرأتين الباكيتين
وبدأت الصورة تذوب..
وهنا تقلصت أحشائي..
تابع الجزأ الثاني.....
لذا أحببت نقلها لكم
أتمنى لكم كامل المتعة
انعكاس
روايـة بقلم: د.أحمد خالد توفيق
أنتم تعرفون – وأقولها بكل شجاعة – إنني وعادل زوجي محدودا الدخل, لكن المرأة الذكية لا تكف لحظة عن البحث عن متنفس لتجميل شقتها .., وقد وفقت إلى العثور على قطع أثاث في منتهى الأناقة بقروش محدودة... عندئذ كانت بعض لمسات التجديد كفيلة بتحويلها إلى تحفة حقيقية
وفي ذات يوم كنت أتسوق حين وجدت رجلاً يبيع بعض الأشياء التي تحمل طراز العظمة الغابرة.., مقاعد صالون مذهبة تكومت كيفما اتفق فوق عربة يد.. ومرآة مزخرفة الإطار ملقاة بإهمال ما بين المقاعد, لكن المدهش بالنسبة لي هو أن زجاجها كان سليماً وصقيلاً وبحال ممتازة
ولما سألت الرجل عن ثمنها وأنا أتحسس جنيهاتي الخمس التي أطبقت عليها كفاً ملوثة بالعرق, كان رده أنه يريد 5 جنيهات
كان الإغراء قوياً.. وأنا لست حمقاء .. هذه المرآة تفوق هذا السعر بمراحل, ولم تستغرق الصفقة طويلاً.. أربع جنيهات ونصف ثمن المرآة وربع جنيه كي يحملها صبي يعمل معه إلى داري.. وعدت للدار حاملةً كنزي الصغير متسائلة في قلق عن رد فعل عادل إذ يرى ما جلبته.., إن الرجال لا يفهمون هذه الأشياء أبداً.. وسيكون من الصعب أن يفهم كيف اشتريت مرآة بالمبلغ الذي كنا سنأكل به طيلة الشهر.. أرجو ألا ينسى القاري أن أحداث القصة في الستينات .. كنا لم ننجب بعد.., لهذا لم أخش شيئاً حين وضعت المرآة في صالة البيت وشرعت أتأملها
كانت فاخرة بلا شك, وإطارها المذهب المليء بالزخارف يعكس عظمة غابرة لو تناسينا أكوام الغبار المحشورة بين هذه الزخارف.. وتساقط القشرة الذهبية في عدة مواضع, أما المرآة ذاتها فكانت سليمة تماماً بلا خدوش ولا عيوب في الطلاء
لابد أن هذه المرآة كانت تزين بهواً في قصر أمير أو أحد بكوات ما قبل الثورة, لكنني لم أفهم قط كيف وصلت ليد هذا البائع.. ولماذا باعها بهذا الثمن البخس..؟
أحضرت خرقةً وزجاجة كحول وبعض الماء والصابون وصنعت مزيجاً لا بأس به لتنظيف الإطار المتسخ.., وبدأت أعبث هنا وهناك بأطراف أناملي.. خطوة بخطوة بدأ الماء يستحيل للون الأسود لكن حال المرآة لم يتبدل كثيراً
وهنا اصطدمت أناملي بشيء ما
*******
كان ثمة شيء محشور بدقة في أحد التجاويف على جدار المرآة الخارجي, وحاولت إخراجه لكني فشلت.., تناولت مفكاً وشرعت أعالج هذا الشيء حتى تمكنت من انتزاعه وبدأت أتفحصه
كان ذلك الشيء ورقة صغيرة برمها أحدهم بشدة حول نفسها حتى غدت أقرب إلى المسمار, وهكذا استطاع أن يدسها في الثقب
ببطء وحذر فتحت الوريقة لكنها كانت مهترئة تماماً وتمزقت بين أناملي قبل أن أتمكن من فتح جزء صغير منها.., من ثم كورتها ورميت بها أرضاً وعدت أواصل عملي
كنت أرى انعكاس وجهي في المرآة بزاوية عيني, وأعتقد أنه كان واقعاً في مجال يسميه الأطباء بـ البقعة العمياء التي ترى فيها الشيء لكنك لا تميزه ..فقط أشعر ببقعة وردية هي وجهي حولها هالة سوداء هي شعري
ولكن..
لا أدري.. للحظة خيل لي أن انعكاس وجهي في المرآة يلتفت للناحية الأخرى !!.. أنا لست مخبولة.. هذا هو ما شعرت به ... رفعت وجهي نحو المرآة سريعاً فلم أرى سوى وجهي المرتعب يرمقني في حيرة
أخرجت لساني فأخرج وجهي لسانه, قطبت فقطب وجهي, لوحت بيدي اليمنى فلوح الانعكاس بيده اليسرى
لا مشكلة هنالك
هي مجرد مرآة بريئة أخرى
لكن ما سر هذا الإحساس العصبي الذي ينتابني؟
*******
حين جاء عادل بعد انتهاء عمله كان واضحاً جداً ومباشراً في رأيه الذي أبداه فيما يتعلق بهذه المرآة.., وبالطبع قال إنني مدللة وعابثة ولا أتحمل المسؤولية وأنه.. بالتأكيد.. كان يتمنى لو كان متزوجاً من واحدة أخرى لا تبدد ميزانية البيت في شراء المرايا
قلت: لكنها مرآة جميلة
قال: وكذلك حمامات السباحة.. كلها جميلة.. لكننا لا نملك حمام سباحة في الصالون
وبعصبية فك ربطة عنقه ودلف إلى الحمام تاركاً إياي واقفة في الصالة لا أدري ما أفعل ولا ما أقول, وهنا استدرت.. عفواً.. تجاه المرآة فلمحت شيئاً عجيباً
كأن صورتي في المرآة كانت ترمق ظهري بحدة طيلة الوقت, وحين التفت لها نجحت.. بالكاد.. في استعادة مظهرها البريء..!, وعادت كما كانت مجرد انعكاس لي
اقتربت منها وشرعت أتأملها
بالطبع كان معنى هذا أنها تتأملني هي الأخرى
كانت – ككل صور المرايا – تشبهني تماماً لكني ولا أدري إن كنت واهمة أم لا تبينت نوعاً من القسوة في شفتيها الرفيعتين.. بل إن ابتسامة ساخرة تلاعبت على ثغرها!.., أسمعكم تضحكون.. تقولون إنني رأيت انعكاساً لهواجسي وحالتي النفسية وأن من كان يضحك بقسوة هو أنا وليس الانعكاس.. لكنني أقسم لكم أنني لم أكن أهذي.. أنا واثقة أن هذه الصورة كانت تختلف تماماً عني اختلافاً طفيفاً
في هذه اللحظة دوى صوت باب الحمام ينفتح.. وبرزعادل ممسكاً بمنشفة واتجه نحو غرفة النوم.. وسألني دون اكتراث: ماذا حدث ياهانم؟... هل جننتِ؟
كلا.. لن أصارحه بمخاوفي.. أولاً: لأن الارتباط بين الجنون وكثرة النظر في المرايا قويٌ في أذهاننا, ثانياً: لأنه سيعتبر أية ملاحظة أقولها على المرآة اعترافا مني بأنني خدعت وأضعت ماله هباء.., وثالثاً: لأن الأمر كله أسخف من أن يُحكى
لكنني لن أنسى في كل لحظة أمر فيها أمام المرآة أن أفاجئها بنظرة صاعقة علني أفاجيء الأخرى وهي غير مستعدة لتقليدي
لكن ظني خاب في كل مرة
*******
أخيراً انتصف الليل
نام عادل كلوح الخشب في حين كان النوم يجافيني
كان الطقس حاراً ورطباً... وقطرات العرق اللزج تحتشد على جبيني وفوق شفتي العليا, وكان الظمأ يحرقني
نهضت لاهثة إلى الصالة لأرشف جرعة ماء من الثلاجة الصغيرة.. وفي الضوء الخافت المنبعث من جوف الثلاجة اختلست نظرة إلى المرآة التي كنت قد نسيت كل شيء عنها
إن هذا غريب ..
هذا المشهد لا يمت بصلة لصالة داري
اقتربت في حذر من المرآة.. وكما توقعت لم أرى أي انعكاس لي فيها.. لقد رحلت الأخرى
أما ما رأيت فكان صورة كلاسيكية غريبة وضبابية.. كأنها امرأة.. نعم هي كذلك.. امرأة جميلة جداً تتزين وهي تنظر لي من الجانب الآخر للمرآة.., واكنت ترتدي ثياباً غريبة واسعة الأكمام مليئة بالدانتيللا.. واكن الخلفية مزدانة.. هي الأخرى.. بستائر يبدو أنها ثمينة
لم تكن الصورة واضحة لأن إضاءتها كانت تعتمد على ضوء الثلاجة الخافت, ولابد أنني لبثت بعض الوقت ثابتة كالطود شاخصة البصر إلى هذه الصورة التي لا أدري عنها أي شيء
ثم.. بدأت أرى انعكاس صورتي من جديد
ترى ما معنى هذا.. وما هو أصلاً؟
عدت إلى الفراش مشوشة الذهن حتى أنني نسيت أن أشرب .., وفي الظلام حاولت أن استرجاع المشهد مراراً
حتى غلبني النعاس
*******
صارت الأيام التالية جحيماً
فلم تكن عيناي تبرحان المرآة قط.. وطيلة الوقت يعاودني ذلك الشعور المزعج أن هذه المرأة البادية ليست انعكاساً لي, بل هي مخلوقةٌ أخرى تعيش هناك وتمثل أنها انعكاسي
كانت نظراتها الثابتة الساخرة تثير هلعي
لكنني لم أجرؤ قط على أن أصارح عادل بهواجسي لأن لارجال يعتبرون النساء هستيريات حتى يثبت العكس
بل أنني جرؤت ذات مرة أن ألمح له أن: تلك الصورة التي في المرآة تفزعني
ابتسم في سخرية بركن فمه.. وقال: إن هذا ليس جديداً
ترى ماذا كان يعني بهذا التعليق؟
بعد ستة أيام تكرر ما حدث في تلك الليلة, وكان ذلك في الصباح بعد أن انصرف عادل.. مررت أمام المرآة شاردة الذهن فشعرت ذلك الشعور الغريب بأن هناك من يراقبني, نظرت للمرآة نظرة صاعقة فوجدت شيئاً يختلف
في المرآة كان هناك رجل.. رجل يرتدي بذلة وردية ويضع على رأسه طربوشاً ويشذب شاربه الرفيع الجميل بمشط صغير.. كان ينظر لي في ثبات.. ثم بدأ يعدل وضع الطربوش منتقياً الوضع الأمثل.., ثم أخرج سيجارة رفيعة من علبة تبغ معدنية أشعلها وشرع يبتسم بخبث راضياً عن نفسه
بدأت الصورة تذوب.. بينما هلعي يتشكل ويصحو
وحين عاد انعكاسي القديم إلى السطح الزجاجي مددت يداً متشككة باردة كالثلج إلى المرآة.. وفي توجس أدرتها حول محورها الطولي
إن هذه المرآة مسحورة
أقسم على ذلك
*******
كأنها نافذة تطل على كون آخر لا أعرف عنه شيئاً.. ثقب في حائط يفصلنا عن عالم مجهول.. إن هذه الرؤى ليست انعكاساً لحالتي النفسية, وليست وهماً.. لا يمكن أن يكون هناك وهم بهذه الدقة.. الدانتيللا في ثياب المرأة وستائر غرفتها وثياب الرجل المتحذلقة.. لم أسمع عن وهم تملؤه الدانتيللا من قبل
والآن أمامي 3 خيارات
اما أن أصارح عادل لعل عقلين هما أفضل من عقل واحد.. كما يقولون.. مع استعدادي التام لقبول الاتهام بالجنون
أو أن أتخلص من هذه المرآة بالبيع أو التحطيم أو التسريب لكنني لست.. حتماً.. ممن يفقدون خمس جنيهات بهذه السهولة
وإما أن أتجاهل الأمر برمته متظاهرة أن المرايا المسحورة ليست من الأشياء المرعبة
إن الخيار الأخير يناسبني لأسباب لا تخفى على أحد
وكذا مرت أيام عدة والمرآة في موضعها
إلى أن جاء ذلك اليوم
*******
قرع أحدهم جرس الباب فذهبت لأفتحه.. وكانت هويدا شقيقتي ومعها هاني خطيبها.. وقد أشاعا جواً محبباً من المرح في الدار.. وكان هناك الكثير من الثرثرة والضحك.. وخاصةً حين انفجرت زجاجة المياه الغازية في وجه هاني وأنا أفتحها
ثم إن هذين الوديعين العزيزين فارقاني بعد أن أبديا إعجابهما الشديد بالمرآة, ذلك الإعجاب الذي اعتدته من كل ضيوفي وكنت أتقبله برضا تام.. وأرجوهم أن يرددوه على مسمع من زوجي
كان هاني شاباً وسيماً لا يكف عن الابتسام.. وكان يتقبل كلماتي القاسية ومداعباتي اللاذعة في رقة ملائكية حتى أنني كنت أقول لـهويدا إنها مخطوبة لجثة
وكانت هي تضحك أولاً رغماً عنها ثم تقرر أن تغضب.. وتدمع عيناها وتوصي مراراً أن لا أقول عنه ذلك
ما علينا.. المهم أنهما انصرفا.. فنهضت أعيد للشقة رواءها وأنظف مطفأة السجائر وأعيد زجاجتي المياه الغازية للمطبخ و
مرة أخرى تتكلم المرآة
هذه المرة كان المشهد مألوفاً
نفس مظهر الصالة الذي تعكسه دائماً.., لكن كان هناك شيء غير عادي, فبدلاً من أن أرى نفسي حيث وقفت أمامها.. وجدت انعكاس هاني وهويدا واضحين تماماً.. وكانا يضحكان.. وفي يدي كانت زجاجة المياه الغازية تبصق رغوتها
ذات المشهد الذي حدث منذ 10 دقائق
لقد فهمت ما يحدث هنا ..
هذه المرآة تختزن الصور التي تحدث في مجالها لبعض الوقت ثم تعيد إخراجها في لحظات عشوائية غير متوقعة
كأنها كاميرا تصوير تدون الصور على فيلم ثم تعيد عرض ذلك الفيلم في أوقات بعينها
وهذه الأحداث قد تعود إلى الثلاثينات.. كما تدلني ثياب المرأة و الرجل.. أو تعود إلى عشر دقائق مضت كما حدث الآن
ولكن ما سر هذه المرأة الخبيثة التي تتظاهر أنها انعكلس صورتي؟
لن أعرف أبداً ..
لكني – على كل حال – أملك أعجب شيءٍ رأيته في حياتي, ولكم من مشاهد عرفت ولكم من أسرار عرفت هذه المرآة!.. كم من جيل مر أمامها وتجمل أمامها ثم ولى بعيداً
إن هذه المرآة خطيرة... لكنها فاتنة .. فاتنة إلى حد لا يصدق
*******
إن المرآة تراقبني
لهذا أخذت واجب الحذر ولم أبد أمامها إلا في أحسن صورة.. فمن أدراني أن جيلاً قادماً لن يجلس أمام زجاجها يطالع أسراري في شغف؟
يجب أن أكون صريحة.. لقد كان الفضول أقوى مني.. كنت أجلس الساعات أمامها منتظرة سراً جديداً من أسرار ملاكها السابقين وكلي نهم ... كأنها دائرة تلفزيونية مغلقة تتجسس على هؤلاء الناس, إن هذا ليس أخلاقياً تماماً لكن التجسس على قوم عاشوا قبلي بعشرات الأعوام ولا أدري من هم؛ هذا التجسس لم يبد مشيناً إلى هذا الحد
رأيت مئات الصور لتلك الغرفة ذات الستائر التي عرفت أنها وردية.. شاهدت عشرات المرات تلك المرأة تثبت قرطاً أو تطلي شفتيها.. لمحت أكثر من مرةٍ ذلك الرجل.. والواضح أنه كان زوجها.. يمشط شعيرات شاربه
دعك طبعاً من المرات العديدة التي رأيت فيها نفسي أفعل شيئاً أو آخر.. أو أرمق المرآة في توجس
والمرات العديدة التي رأيت فيها عادل يروح هنا وهناك مرتدياً منامته الشهيرة ذات الخطوط الزرقاء الطولية
لقد كان كل هذا ممتعاً وأثار شغفي, لم يكن جهاز التلفزيون منتشراً وقتها و بالتأكيد لم يكن لدينا واحد, ولقد جعلتني هذه المرآة أفهم ما هو التلفزيون قبل أن أراه
إلا أن عادل بدأ يرتاب في أمري
وسألني أكثر من مرة عما إذا كنت أحاول تعلم التنويم المغناطيسي الذاتي, ثم صارحني أنه يخشى على حالتي العقلية كثيراً من حملقتي المستمرة بهذا السطح الصقيل
إلا أنني كنت مبهورة تماماً حتى كدت أجتاز عالم المرآة كما يحدث في القصص الخيالية داخلةً إلى ذلك العالم المعكوس خلفها, حيث اليمين يسار والعكس.. وحيث يتقدم المرء للأمام متى سار إلى الخلف..! لم أفعل ذلك بل كدت
وفي ذات مساء كنت جالسةً وحدي أمامها حين رأيت مشهداً عجيباً
رأيت هويدا و هاني ورأيت نفسي
وكانت الوجوه ممتقعة كالحة والحركات عصبية, أنا واثقة تماماً أن هذا المشهد لم يحدث أمام المرآة قط... فضلاً عن أنني لا أملك ثوباً أزرق ياقته بيضاء, وهويدا لا تملك معطفاً أسود
كان هاني يتحدث بشراسة غير عادية ويلوح بقبضته.. بينما هويدا تدفن رأسها بين كفيها وتبكي ثم ترفع رأسها محاولةً إقناعه بشيءٍ ما.. أما أنا فكنت ألعب دور المصلح ما بين الطرفين..ثم
بمنتهى القسوة رفع هاني كفه وصفعها, فهببت.. كما هو متوقع.. صارخةً محاولةً إيقافه مرددة أشياء لا بد أنها من قبيل هل وصلت الأمور إلى هذا الحد؟.. أتضرب أختي أمامي أيها السافل الوقح؟!!.. نعم.. لابد أنني كنت أقول ذلك.. إلا أنه دفعني بعيداً عنه.. وصاح مردداً شيئاً ما ثم انصرف تاركاً المرأتين الباكيتين
وبدأت الصورة تذوب..
وهنا تقلصت أحشائي..
تابع الجزأ الثاني.....
14/4/2012, 5:14 am من طرف h.sbaih
» تعلم تصميم قواعد البيانات SQL حصريا
2/4/2012, 3:57 pm من طرف hfoda102
» Assembly Lab
3/3/2012, 10:52 pm من طرف funkyodd@yahoo.com
» كتاب مادة الـ C ++ حصريا لشباب إنجاز
17/2/2012, 1:57 am من طرف anas yacoub
» حصريا .. كتب العلوم المالية والمصرفية
31/1/2012, 1:56 am من طرف Amera Alareqe
» دعاء مكتوب على جدار الجنة
13/11/2011, 3:25 pm من طرف سما الحب
» حكمه مهمه
6/11/2011, 7:49 pm من طرف عموره
» .....................................
16/10/2011, 6:22 am من طرف عموره
» هـــــــــنــالِــك دائِــمـــــــــاً....!!!!
16/10/2011, 6:20 am من طرف عموره
» تَباً
16/10/2011, 6:15 am من طرف عموره